فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءتْهُمُ الحسنة} يعني الخير والخصب والرخاء {قَالُواْ لَنَا هذه} يعني: نحن أهل لهذه الحسنة وأحق بها {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ} يعني: القحط والبلاء والشدة {يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ} وأصله يتطيروا فأدغمت التاء في الطاء.
كقوله: {يَذَّكَّرُونَ} أي يتشاءمون بموسى ومن معه على دينه.
قال الله تعالى: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ الله} يعني: إن الذي أصابهم من عند الله وبفعلهم.
ويقال: إنما الشؤم الذي يلحقهم هو الذي وعدوا به في الآخرة لا ما ينالهم في الدنيا {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أنه من الله تعالى ولا يعلمون ما عليهم في الآخرة. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَعَهُ}.
في الحسنة والسيئة هنا وجهان:
أحدهما: أن الحسنة الخصب، السيئة القحط.
والثاني: أن الحسنة الأمن، والسيئة، الخوف.
{قَالُوا لَنَا هَذِهِ} أي كانت حالنا في أوطاننا وقبل اتباعنا لك، جهلًا منهم بأن الله تعالى هو المولى لها.
{وَإن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ} أي يتشاءَمون بموسى ويقولون هذا من اتباعنا إياك وطاعتنا لك، على ما كانت العرب تزجر الطير فتتشاءم بالبارح وهو الذي يأتي من جهة الشمال، وتتبرك بالسانح وهو الذي يأتي من جهة اليمين، ثم قال ردًا لقولهم.
{أَلا إنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهِ} أي طائر البركة وطائر الشؤم. اهـ.

.قال ابن عطية:

{فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ}.
كان القصد في إصابتهم بالقحط والنقص في الثمرات أن ينيبوا ويرجعوا فإذا بهم قد ضلوا وجعلوها تشاؤمًا بموسى فكانوا إذا اتفق لهم اتفاق حسن في غلات ونحوها قالوا هذا لنا وبسببنا وعلى الحقيقة لنا، وإذا نالهم ضر قالوا هذا بسبب موسى وشؤمه، قاله مجاهد وغيره، وقرأ جمهور الناس بالياء وشد الطاء والياء الأخيرة {يطيّروا}، وقرأ عيسى بن عمرو وطلحة بن مصرف بالتاء وتخفيف الطاء {تطيروا}، وقرأ مجاهد {تشاءموا بموسى} بالتاء من فوق وبلفظ الشؤم.
وقوله تعالى: {ألا إنما طائرهم} معناه حظهم ونصيبهم، قاله ابن عباس وهو مأخوذ من زجر الطير فسمي ما عند الله من القدر للإنسان طائرًا لما كان الإنسان يعتقد أن كل ما يصيبه إنما هو بحسب ما يراه في الطائر، فهي لفظة مستعارة، وقرأ جمهور الناس {طائرهم}، وقرأ الحسن بن أبي الحسن {طيرهم}. وقال: {أكثرهم} وجميعهم لا يعلم إما لأن القليل علم كالرجل المؤمن وآسية امرأت فرعون وإما أن يراد الجميع وتجوز في العبارة لأجل الإمكان، ويحتمل أن يكون الضمير في قوله: {طائرهم} لجميع العالم ويجيء تخصيص الأكثر على ظاهره، ويحتمل أن يريد ولكن أكثرهم ليس قريبًا أن يعلم لانغمارهم في الجهل، وعلى هذا فيهم قليل معد لأن يعلم لو وفقه الله. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {فإذا جاءتهم الحسنة}.
وهي: الغيث والخصب وسعة الرزق والسلامة {قالوا لنا هذه} أي: نحن مستحقوها على ما جرى لنا من العادة في سعة الرزق، ولم يعلموا أنه من الله فيشكُروا عليه.
{وإن تصبهم سيئة} وهي القحط والجدب والبلاء {يطَّيروا بموسى ومن معه} أي: يتشاءموا بهم.
وكانت العرب تزجر الطير، فتتشاءم بالبارح، وهو الذي يأتي من جهة الشمال، وتتبرك بالسانح، وهو الذي يأتي من جهة اليمين.
قوله تعالى: {ألا إنما طائرهم عند الله} قال أبو عبيدة: {ألا} تنبيه وتوكيد ومجاز.
{طائرهم} حظهم ونصيبهم وقال ابن عباس: {ألا إنما طائرهم عند الله} أي: إن الذي أصابهم من الله.
وقال الزجاج: المعنى: ألا إن الشؤم الذي يلحقهم هو الذي وُعدوا به في الآخرة، لا ما ينالهم في الدنيا. اهـ.

.قال القرطبي:

{فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ}.
فيه مسألتان:
الأُولى قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الحسنة} أي الخِصْب والسَّعة.
{قَالُواْ لَنَا هذه} أي أعْطيناها باستحقاق.
{وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} أي قَحْط ومرض، وهي المسألة:
الثانية {يَطَّيَّرُواْ بموسى} أي يتشاءموا به.
نظيره {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هذه مِنْ عِندِكَ} [النساء: 78].
والأصل يتطيروا أدغمت التاء في الطاء.
وقرأ طلحة: {تطيّروا} على أنه فعل ماض.
والأصل في هذا من الطِّيرةِ وزَجْر الطَّير، ثم كثُرَ استعمالهم حتى قيل لكل من تشاءم: تَطَيَّر.
وكانت العرب تتيمّن بالسّانح: وهو الذي يأتي من ناحية اليمين.
وتتشاءم بالبارح؛ وهو الذي يأتي من ناحية الشّمال.
وكانوا يتطيرون أيضًا بصوت الغراب؛ ويتأوّلونه البَيْن.
وكانوا يستدِلون بمجاوبات الطيور بعضِها بعضًا على أُمور، وبأصواتها في غير أوقاتها المعهودة على مثل ذلك.
وهكذا الظِّباء إذا مضت سانحة أو بارحة، ويقولون إذا بَرَحت: مَنْ لي بالسّانح بعد البارح.
إلا أنّ أقوى ما عندهم كان يقع في جميع الطير؛ فسمَّوْا الجميع تَطَيُّرًا من هذا الوجه.
وتطيّر الأعاجمُ إذا رأُوا صبِيًّا يذهب به إلى المُعَلِّم بالغداة، ويتيمَّنون برؤية صبيّ يرجع من عند المعلم إلى بيته، ويتشاءمون برؤية السَّقاء على ظهره قِربة مملوءةٌ مشدودة، ويتيمّنون برؤية فارغ السِّقاء مفتوحة قربته؛ ويتشاءمون بالحَمّال المثقّل بالحِمْل، والدابة المُوقرة، ويتيمنون بالحَمّال الذي وضع حِمله، وبالدابة يُحَطّ عنها ثِقْلُها.
فجاء الإسلام بالنَّهْي عن التّطيّر والتشاؤم بما يُسمع من صوتِ طائرٍ ما كان، وعلى أيّ حال كان؛ فقال عليه السلام: «أقِرُّوا الطير على مَكِناتها» وذلك إن كثيرًا من أهل الجاهلية كان إذا أراد الحاجة أتى الطير في وَكْرها فنفّرها؛ فإذا أخذت ذات اليمين مضى لحاجته، وهذا هو السانح عندهم.
وإن أخذت ذات الشمال رجع، وهذا هو البارح عندهم.
فنهى النبيّ صلى الله عليه وسلم عن هذا بقوله: «أَقِرُّوا الطير على مكناتها» هكذا في الحديث.
وأهل العربية يقولون: وُكُناتها قال امرؤ القيس:
وقد أغْتَدِي والطّيْر في وُكناتها

والوُكْنة: اسم لكلّ وكْر وعُشّ.
والوكن: موضع الطائر الذي يبيض فيه ويُفْرِخ، وهو الخرق في الحيطان والشجر.
ويقال: وَكَن الطائر يَكِن وكُونًا إذا حضن بيضه.
وكان أيضًا من العرب من لا يرى التطيّر شيئًا، ويمدحون من كذّب به.
قال المُرَقَّش:
ولقد غَدَوْتُ وكنتُ لا ** أغدُو على وَاقٍ وحاتم

فإذا الأشائِمُ كالأيا ** مِنِ والأيامِنُ كالأشائم

وقال عكرمة: كنت عند ابن عباس فمرّ طائر يصيح؛ فقال رجل من القوم: خير، خير.
فقال ابن عباس: ما عند هذا لا خير ولا شر.
قال علماؤنا: وأما أقوال الطير فلا تعلّق لها بما يجعل دلالة عليه، ولا لها علم بكائن فضلًا عن مستقبل فتُخبِر به، ولا في الناس من يعلم منطق الطير؛ إلا ما كان الله تعالى خصّ به سليمان صلى الله عليه وسلم من ذلك، فالتحق التطيّر بجملة الباطل. والله أعلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: «ليس مِنّا من تحلّم أو تكهّن أو ردّه عن سفره تطيّر» وروى أبو داود عن عبد الله بن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الطِّيَرة شرك ثلاثًا وما مِنا إلاّ ولكِنّ الله يذهبه بالتوكّل» وروى عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من رجّعته الطِّيرة عن حاجته فقد أشرك».
قيل: وما كفارة ذلك يا رسول الله؟ قال: «أن يقول أحدهم اللَّهُمّ لا طَيْرَ إلا طَيْرُكَ ولا خَيْرَ إلاَّ خَيْرُكَ ولا إله غيرُك ثم يمضي لحاجته» وفي خبر آخر: «إذا وجد ذلك أحدكم فليقل اللَّهُمّ لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يذهب بالسيئات إلا أنت لا حول ولا قوة إلا بك».
ثم يذهب متوكّلًا على الله؛ فإن الله يكفيه ما وجد في نفسه من ذلك، وكفاه الله تعالى ما يُهِمّه وقد تقدم في المائدة الفرق بين الفأل والطيرة.
{ألا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ الله} وقرأ الحسن {طَيْرُهم} جمع طائر.
أي ما قُدِّر لهم وعليهم.
{ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أن ما لحِقهم من القَحط والشدائد إنما هو من عند الله عز وجل بذنوبهم لا من عند موسى وقومه. اهـ.

.قال الخازن:

ثم بين الله تعالى أنهم عند نزول العذاب وتلك المحن عليهم والشدة لم يزدادوا إلا تمردًا وكفرًا فقال تعالى: {فإذا جاءتهم الحسنة} يعني الغيث والخصب والسعة والعافية والسلامة من الآفات {قالوا لنا هذه} أي نحن مستحقون لها ونحن أهلها على العادة التي جرت لنا في سعة الأرزاق وصحة الأبدان ولم يروا ذلك من فضل الله عليهم فيشكروه على إنعامه {وإن تصبهم سيئة} يعني القحط والجدب والمرض والبلاء ورأوا ما يكرهون في أنفسهم {يطيروا} يعني يتشاءموا وأصله يتطيروا والتطير التشاؤم في قول جميع المفسرين {بموسى ومن معه} يعني أنهم قالوا ما أصابنا بلاء إلا حين رأيناهم وما ذلك إلا بشؤم موسى وقومه.
قال سعيد بن جبير ومحمد بن المنكدر: كان ملك فرعون أربعمائة سنة وعاش ستمائة وعشرين وسنة لم يروا مكروهًا قط ولو كان حصل له في تلك المدة جوع يوم أو حمى ليلة أو وجع ساعة لما ادعى الربوبية قط {ألا إنما طائرهم عند الله} يعني أن نصيبهم من الخصب والجدب والخير والشر كله من الله قال ابن عباس طائرهم ما قضي لهم وقدر عليهم من عند الله وفي رواية عنه شؤمهم عند الله تعالى ومعناه أنه إنما جاءهم بكفرهم بالله وقيل الشؤم العظيم هو الذي لهم عند الله من عذاب النار {ولكن أكثرهم لا يعلمون} يعني أن ما أصابهم من الله تعالى وإنما قال تعالى وإنما قال أكثرهم لا يعلمون لأن أكثر الخلق يضيفون الحوادث إلى الأسباب ولا يضيفونها إلى القضاء والقدر. اهـ.